ابو دياك هو جرس الانذار

ابو دياك هو جرس الانذار

  • ابو دياك هو جرس الانذار

اخرى قبل 4 سنة

ابو دياك هو جرس الانذار

د.أحمد لطفي شاهين

الشبكة العربية للثقافة والراي والاعلام

 

كان صباح الثلاثاء السادس والعشرين من نوفمبر يوما حزينا بالنسبة لكل الاخوة المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الصهيوني حيث بلغهم نبأ  استشهاد زميلهم المعتقل المريض بالسرطان سامي أبو دياك (36 عاما) في معتقل "عيادة الرملة". والمحزن في الموضوع ان هذا المعتقل في ريعان شبابه وأن إدارة معتقلات الاحتلال هي التي بدأت فعليا بقتل المعتقل أبو دياك قبل إصابته بالسرطان، والذي نتج عن خطأ وإهمال طبي متعمد، حيث تركوه يصارع الألم والمعاناة في المعتقلات الصهيونية نتيجة الإصابات الخطيرة التي تعرض لها برصاص جيش الاحتلال أثناء اعتقاله عام 2002 كجزء من إجراءات التعذيب والتحقيق التي تنفذها إدارة معتقلات الاحتلال بحقه وبحق ابناء شعبنا المعتقلين في سجون وزنازين الاحتلال على امتداد الوطن المحتل. ومنذ عام 2015 ً تعرض الشهيد أبو دياك لعملية جراحية في مستشفى "سوروكا" التابع للاحتلال، حيث تم استئصال جزء من أمعائه، وتم نقله بطريقة لا انسانية عبر ما تسمى عربة "البوسطة" - والتي تمثل للمعقلين رحلة عذاب أخرى- وتعرض لخطأ طبي (مقصود) أصيب على أثره بتلوث وتسمم وتعفن في أمعائه نتيجة العملية الجراحية وبسبب نقله بعد إجراء العملية مباشرة من مستشفى سوروكا إلى سجن الرملة وذلك قبل أن تلتئم جراحه ودون أن يتأكد المستشفى من نجاح العملية التي دخل على أثرها في غيبوبة لمدة أكثر من شهر وأصيب بفشل كلوي وفشل رئوي وانتشرت الأورام السرطانية في شتى أنحاء جسده، حيث ارتكبت بحقه جريمة طبية مركبة شارك بها مستشفى سوروكا العسكري ومصلحة السجون الصهيونية. وعقب ذلك خضع لثلاث عمليات جراحية، وبقي تحت تأثير المخدر لمدة شهر موصولا ً بأجهزة التنفس الاصطناعي، إلى أن ثبت لاحقا إصابته بالسرطان، وتم حرمانه من أي علاج كيميائي مناسب وبقي يقاوم السرطان والسجان إلى أن ارتقى شهيدا  بعد 17 سنة من الاعتقال.

بدأت قصته عندما اعتقله الاحتلال في تاريخ 17 يوليو عام 2002 م، بتهمة مقاومة الاحتلال، وحكم عليه بالسجن المؤبد ثلاث مرات، و30 عام ، وله شقيق آخر معتقل وهو سامر أبو دياك وهو كذلك محكوم بالسجن مدى الحياة، حيث رافقه طوال سنوات مرضه فيما يسمى بمعتقل "عيادة الرملة" لرعايته. …هل تتصور كيف تنقلب حياة انسان فجأة من انسان طليق الى انسان معتقل محكوم ثلاثة مؤبدات ؟؟ وفي أي قانون في الكون يحاكم الانسان اكثر من مؤبد ؟ومن يستوعب ان يحاكم انسان حر بثلاثة مؤبدات دون ان يكون متهما او متسببا بقتل أي  شخص بشكل ثابت ؟؟

 ان محاكمته بحد ذاتها هي جريمة يندى لها جبين الانسانية فضلا عن قتله ببطء وبقائه بين اربع جدران لسنوات ومهما قلنا ان نشعر بالعذاب والوجع والسهر والقلق الذي تعرض له هذا المناضل الفلسطيني الذي حاول الكثيرين التدخل لانقاذ حياته واخراجه ولو الى مستشفى يحترم حقه في العلاج والحياة  إلا أن سلطات الاحتلال رفضت ذلك وهي تعلم أنه وصل إلى المرحلة الأخيرة من المرض، وأبقت على احتجازه في معتقل "عيادة الرملة" التي يطلق عليها (المسلخ )  …لقد كانت آخر رسائله من المعتقل: " "إلى كل صاحب ضمير حي، أنا أعيش في ساعاتي وأيامي الأخيرة، أريد أن أكون في أيامي وساعاتي الأخيرة إلى جانب والدتي وبجانب أحبائي من أهلي،وأريد أن أفارق الحياة وأنا في أحضانها، ولا أريد أن أفارق الحياة وأنا مكبل اليدين والقدمين، وأمام سجان يعشق الموت ويتغذى، ويتلذذ على آلامنا ومعاناتنا." ... قد تكون أمنيتة  بسيطة وعادية ولكنها بالنسبة لمعتقل مصاب بمرض السرطان ومحكوم عليه بالسجن المؤيد قضى منها 17 عاماً ويتعرض للإهانة بل والموت البطيء كل يوم لمجرد أنه يرى وجوه سجانيه وجلاديه الكريهة وإذلالهم الممنهج الجسدي والمعنوي ،انها أمنية تعتبر ذات مغزى ومعنى كبير لا يدركها إلا من عانى الاعتقال لفترات طويلة وكل حر شريف ولقد صدق الشاعر القائل

         وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

 

 

لم يكن ابو دياك هو المعتقل الفلسطيني الاول الذي يموت بالاهمال الطبي بل سبقه كثيرين ولكنه ثاني شهيد هذا العام حيث استشهد قبله الشهيد بسام السايح الذي ارتقى في تاريخ الثامن سبتمبر 2019 ،وبذلك يرتفع عدد شهداء الحركة الوطنية الأسيرة منذ عام 1967م، إلى 222 شهيداً، من بينهم (67 )أسيراً قتلوا عبر سياسة الإهمال الطبي المتعمد.

ان سلطات الاحتلال الجبان تتحمل المسؤولية الكاملة عن قتل المعتقل الشهيد سامي أبو دياك عبر سياسة التعذيب الممنهجة وسياسة الإهمال الطبي التي تستخدم فيها الحق في العلاج كأداة للتنكيل بالمعتقلين، حيث تنفذ ذلك عبر العديد من الإجراءات منها: حرمان المعتقلين من العلاج أو المماطلة في تقديمه لهم، والكشف المتأخر عن المرض، بسبب المماطلة في إجراء الفحوص الطبية والمماطلة في النقل إلى المستشفيات، فهناك العشرات من المعتقلين ينتظرون منذ سنوات إجراء عمليات جراحية لهم.

 وحسب احصائيات رسمية فقد بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين الذين دخلوا سجون الاحتلال منذ عام 1967 حتى مارس 2019 (1,000,000) مليون مواطن بينهم اطفال ونساء ونواب تشريعي واطباء وصحفيين ومحامين وقضاة ومعلمين ومهندسين ومعتقلين إداريين ،وهناك 56 معتقلا مضى على اعتقالهم أكثر من عشرين عاما بشكل متواصل ، 26 معتقلا معتقلون منذ ما قبل اتفاقية أوسلو ، أقدمهم نائل البرغوثي وكريم يونس وماهر يونس والذين لم ولن يفقدوا الامل بالحرية ولا بالحياة رغم موتهم ببطء وموت زملائهم وصراخ الاخرين في التعذيب على مسامعهم في ظل صمت العالم على ما يحدث دون أي تحرك فعلي عدا الشجب والاستنكار .

 ان لكل معتقل وشهيد فلسطيني قصة خاصة ورواية تراجيدية  قبل وأثناء وبعد اعتقاله أو استشهاده ،قصص بطولية مشرفة قصص كلها شهامة ونخوة وعزة العربي قصص انسانية تستحق التأريخ وأن تتحول لأفلام ومسلسلات تُترجَم لكل اللغات حتى يعرف العالم حقيقة العدو الصهيوني الذي يزعم أنه دولة حضارية وديمقراطية  بينما هم دولة مافيات وعصابات منذ تأسيسهم قبل عام النكبة 1948 ،

ان الشهداء والمعتقلين هم القادة الحقيقيين للشعب الفلسطيني ،وهم فقط من يستحقوا ان ينتزعوا صفة مناضل لأن قمة النضال والعطاء والتضحية والفداء أن يقوم الانسان بعمل وطني وهو يعرف أنه سيُعتَقل أو يستَشهِد ومع ذلك لا يتردد ولا يخشى الاعتقال أو الاستشهاد مع احترامي لكل من يناضل بالطرق الاخرة فللنضال اشكال اخرى كثيرة ومتعددة.

 

 ختاما فإن قضية المعتقلين الفلسطينين هي قضية خطيرة جدا وهي كمثيلاتها من قضايا الارض المحتلة يجب ان نمارس الوحدة الوطنية فعلا وليس قولا  وذلك لمجابهة الاحتلال وممارساته ضمن استراتيجية وطنية موحدة توظف كل ما نملك من امكانيات نحو مقاومة المحتل الصهيوني اعلاميا وسياسية وسلميا وعسكريا فنحن نمارس حقنا المكفول في القوانين الدولية كلها في ممارسة كافة أشكال النضال لنيل حريتنا واستقلالنا وتطهير ارضنا ومقدساتنا من نجاسة المحتل الصهيوني الغاصب فنحن ليسوا ارهابيين كما يحاول ان يروج الكيان الاسرائيلي وللاسف يتساوق معه بعض هواة التطبيع الانذال من بعض الصحافيين والقانونيين ومزوري التاريخ  .

 

التعليقات على خبر: ابو دياك هو جرس الانذار

حمل التطبيق الأن